تغطيات – وكالات :
لا يزال الغموض يكتنف السبب الذي يجعل عدد من يستخدمون يُسراهم بشكل أساسي يقل نسبياً عن من يستخدمون اليد اليمني.
رغم ذلك فإن الدراسة العلمية لظاهرة “الإعسار”، وهو تفضيل استخدام اليد اليسرى أكثر من اليمنى، تكشف عن حقائق مشوقة عن الإنسان؛ بدءاً من كيف يمكن أن يغير ذلك من الطريقة التي يفكر بها، وصولاً إلى حقيقة أن هناك بيننا من يمكن أن يكونوا “عُسراناً” ولكن في حاسة السمع هذه المرة، وليس في اليد.
تتكشف هوية المرء فيما يتعلق بما إذا كان أعسر اليد أم لا منذ الطفولة. بالتحديد منذ تلك اللحظة التي يبدأ فيها – وهو طفل صغير – في الإمساك بقلم تلوينٍ مكتنز للشخبطة به على الأوراق.
ولكن ما الذي يجعل ليدٍ ما الغلبة على الأخرى، ولماذا يكون مستخدمو اليد اليسرى هم الأقلية؟
ان التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع أكثر مما نحسب. فمن غير المتوقع اعتماد المرء على يدٍ بشكل أكبر من الأخرى، هو نموذج يمتد كذلك إلى أعضاء أخرى، من بينها العينان على سبيل المثال.
ويمكن لكلٍ منّا التعرف على ما إذا كان “أعسر” العين، أم لا من خلال التجربة التالية:
مد إحدى ذراعيك، وأرفع الإبهام أمامك. بعد ذلك، انظر له بكلتا عينيّك ثم بكل عينٍ على حدة مع تغطية العين الأخرى. وهكذا فستكون عينك الأكثر قوة، هي تلك التي تُمكِنُكَ من رؤية الأصبع وهو أقرب ما يكون إلى صورته الأصلية.
وبوسعك بالمثل اختبار أذنيّك؛ لتحديد أيهما تستخدمها تلقائياً عند الرد على اتصال هاتفي؟ أو للتنصت بها – سراً – على حديث يدور خلف جدار؟
بالإجمال، هناك 40 في المئة منّا يعتمدون في السمع على الأذن اليسرى أكثر، و30 في المئة يرون أفضل بالعين اليسرى، فيما ينعم 20 في المئة بقدم يسرى أكثر قوة من اليمنى.
الغريب أن النسبة تقل كثيراً إذا ما كان الأمر يتعلق بمن هم “عُسراناً”، إذ إن نسبتهم لا تتجاوز 10 في المئة من البشر. فما السبب في ذلك؟ ولِمَ يشكلون أقلية بيننا؟
في غابر الأزمان، كان هؤلاء يُطردون من بين صفوف التلاميذ بشكل مدوٍ وعلى نحو يصمهم بالخزي والعار، باعتبارهم منحرفين عن الصراط القويم. بل إن الدلالات السلبية المرتبطة على نحو غريب بالشخص الأعسر لا تزال باقية في بعض اللغات.
فمفردة “أيسر” أو left باللغة الإنجليزية مُشتقة من أصل لغوي أنغلو-ساكسوني كان يُكتب على هذه الشاكلة lyft ومعناه “ضعيف”. أما الكلمة المناقضة لـ”أيسر” في اللغة اللاتينية فهي dexter، وتعني “أيمن” وكانت ترتبط بالمهارة والاستقامة والورع والإنصاف.
على أي حال، من المعروف أن ثمة أصلاً جينياً لمسألة تفضيل استخدام يدٍ عن الأخرى. ولكن العلماء في هذا المضمار لا يزالون يحاولون تحديد الأجزاء المسؤولة عن ذلك بالتحديد في الحمض النووي، في ظل اعتقادٍ بأن عدد الجينات التي تلعب دوراً في هذا الصدد قد يصل إلى 40 جِيناً مختلفاً.
وفي ظل المعطيات الحالية، ليس بوسعنا التعرف على السبب المحدد لنزوع البعض لاستخدام يدٍ بشكل أكبر من الأخرى، كما أنه ما من تفسيرٍ لدينا لكون “العُسران” هم الأقلية، ولذا تبقى الإجابة عن أي سؤال في هذا الصدد “ليس لدينا علم بذلك”، وبصوتٍ مدوٍ.
ولكن هل كون المرء أعسر اليد يخلّف أيَ تأثيرٍ على حياته، بخلاف معاناته – ولو قليلاً – في العثور على مقصٍ مُعد بشكل ملائم لاستخدامه بيده اليسرى، أو سحاب سروال لا يضنيه إغلاقه، أو قلم حبر مريح بالنسبة له؟
لطالما دار جدال حول ما إذا كان نزوع المرء لاستخدام اليد اليسرى يؤثر بأي شكل على دماغه أم لا. فالجانب الأيمن من الدماغ يتحكم في اليد اليسرى والعكس بالعكس. ولذا فقد يؤدي كون المرء أعسر اليد إلى ترك آثارٍ غير مباشرة – ولكن لا مفر منها – على الشاكلة التي يُنسق بها عمل الدماغ.
وفي هذا السياق، يقول عالم النفس كريس ماكمانس من كلية لندن الجامعية، وهو مؤلف كتاب “يد يمنى.. يد يسرى”: “إن الطريقة التي ينتظم بها دماغ الشخص الأعسر تتسم بتغير وتنوع كبيرين”.
ويضيف ماكمانس قائلاً: “حدسي الشخصي يفيد بأن الأعسر ينعم بموهبة أكبر، ويعاني من أوجه قصور أكثر أيضا. فإذا ما كنت كذلك، فقد تجد نفسك إزاء طريقة مختلفة قليلاً فيما يتعلق بالشكل الذي يُنظم دماغك على أساسه، وهو ما قد يهبك مهاراتٍ لا ينعم بها أشخاص آخرون”.