منذ نعومة أظفاري.. بالتزامن مع تعلمي لجدول الضرب تم تعريفي جيداً بأن الغرب في تطورٍ شديد، بينما نحن العرب في عالمٍ بعيد بين ضميرٍ بليد وتأخرٍ في مزيد، وعندما كبرت قليلاً شاهدت الكثير من الشباب الطموح والغير طموح كذلك، ينتظرون بحماس تلك اللحظة التي يتخرجون فيها من مدارسهم، لتبدأ في الغربة مسيرتهم. بينما بالمقابل في برجنا العالي، برجنا الياقوتي الذي شيدناه ثم غدرناه وأعلنا اعتزاله، التي تعبر عنها ببلاغة تلك النجوم الكثيرة، المسماة بإسماءٍ عربية إسلامية، لإبداعهم وأمجادهم بعلوم الفلك في القرون الوسطى، أيام ازدهار الحضارة لدينا. لم نتميز في الفلك ولم نكتشف النجوم والكواكب فقط، بل تعددت جبهات تقدمنا وكنا للتقدم والنهضة منارة وقدوة، لمدة خمسة قرون إلى القرن الخامس للهجرة. بينما الغرب في تلك الفترة يركبون أمواج الجهل والتخلف والأمية بكل حرفية، فكانوا يرسلون ويبعثون أبناءهم لغرناطة وقرطبة ليتعلمون.
السؤال الذي انتظرت المقدمة تنتهي بكل شغف حتى أطرحه، هو ماذا حصل؟ لماذا توقفنا؟! كيف أنقلب الحال؟! بعدما للتقدم كنا شعاراً صريح.. أصبح ذلك الشعار جريح. في نفس الوقت الذي فيه الغرب قرر أن يتحرر من قيد تخلفه ورجعيته عبر ترجمة علومنا وغيره. قررنا نحن أن نوقف باب الاجتهاد وأنه لا يمكن الإبداع أكثر مما كان، ذلك جاء بعد قرون خمسة عُرِفت بجو عام من الحرية، الحرية الفكرية الكاملة، فلا قيد ولا ممنوع على شيء اطلاقاً تلك الفترة كانت عز العالم الإسلامي، ولم يكن هناك مذاهب بعد، ولكن قررنا أن نكتفي بما نص عليه الأئمة الأربعة وأوقفنا الاجتهاد أي استنباط أحكام تتماشى مع ظروف الحياة الجديدة، مع العلم بأن أحد الأئمة الأربعة الإمام الشافعي -رحمه الله- تغيرت أحكامه بتغير الزمان والمكان وذلك بانتقاله من العراق إلى مصر.
وفيما يخص الفكر “انحصرت الأنشطة الفكرية غالباً في آسار التكرار والاجترار فهي شروحٌ وذيولٌ لشروح وشروحٌ لذيول” أي أصبح من بعدهم يكتب ويؤلف الكتب ولكن مع الأسف لا يقدم ولا يبتكر الجديد، بل يشرح الأول ما خرج به السابقون، والثاني الذي يليه يشرح ما شرحه الأول، والثالث يشرح ما شرحه الثاني وتستمر الحلقة بالدوران في مهب الريح.
الجدير بالذكر بأن هناك من حرَّم الفلسفة، والفلسفة مشتقة من اللفظ اليوناني “فيلوسوفيا” وتعني حب الحكمة، فهي التفكير بالمشاكل الرئيسية في الحياة. كما ظهرت في تلك المرحلة عبارة “من تمنطق فقد تزندق”، وهكذا و باختصار قتلنا العقل وجمدناه ثم ودعنا الطاقة الإبداعية. وأصبح مبدأنا حينها “الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح” بينما الأوروبيين فتحوا الباب، بل كسروه حتى يعرفوا من أين جاء الريح وبالتالي يتوصلون لمعرفة كيفية التعامل معه. انقلب حالنا إلى تخلف علمي وتقني، وإلى أوضاع اقتصادية وصحية متردية، إلى فقرٍ وجهل ومرضٍ وأمية والقائمة تطول. لاحقاً عوامل كثيرة أبرزها سوء الوضع الشديد، انتصار أوروبا علينا، الاستعمار الفرنسي في مصر الذي القى حجر صادم غريب ومتطور حرك البركة الراكدة منذ زمن، وكذلك أصوات المفكرين، كونت رغبة حقيقية في التغيير وأدت إلى ظهور الحركات الإصلاحية. وهناك منحنيين لدعوات الإصلاح، المنحنى الأول ديني يقول بأن الأمة جوهرها الإسلام إذا اصطلحت عقيدتها صلح باقي أحوالها. المنحنى الثاني تحديثي يقول بأن المادية هي التي تطور العقيدية من خلال استيحاء الأنماط المتبعة في الدول الغربية المتقدمة في انشاء المدارس مثلاً.
وأنا أقول أن ندمج بين المنحنيين، أن نستفيد من تجارب الغرب، أن نعمل على المادية ولكن بما يتناسب مع العقيدية، أن نجعل هويتنا الإسلامية العربية شعارنا، من الفوائد المكتسبة أيضاً أن علينا اليوم أن نعترف بأخطائنا ونعالجها بدلاً من رمي الاتهامات على غيرنا، أن نتصالح فيما بيننا، وأن نشاهد اختلافنا بمنظار الجمال. أن نتقبل الأفكار العلمية الجديدة التي لا يوجد نص قرآني يعارضها، وأن نتقبل الرأي الآخر طالما هناك اختلاف في مسألة، أن لا نرمي بسهام أحكامنا وأن لا نتمسك بقواعد وأسس ليس لها مرجع.
أن نؤمن بأن من كثر علمه قل انكاره، وبأن الإبداع لا سقف له. وأن نكون جميعاً بصمة ولو بسيطة في التغيير نحو الأفضل، من خلال البدء واختصار الحديث، لابد من وقفة جادة نحو الإيجابية، أن نبدأ بأنفسنا دائماً، وأن ندعوا بعد ذلك من هم في دائرة تأثيرنا إلى مركبتنا التي ستتوجه نحو التحسين المستمر، وعشرين خطاً تحت عبارة دائرة تأثيرنا، لأنه اليوم أغلبنا يقضي معظم وقته في دائرة الاهتمام، تلك الدائرة الواسعة جداً والتي لن نستطيع أن نغير فيها شيء. وخير الختام دعاء: اللهم يا محول الحول والأحوال حول حالنا إلى أحسن حال.
………………………………………….
كاتب تغطيات: عبدالمحسن آل لافي
Snapchat: A_Lafi
Instagram: A.Lafi