المختارات ذات قيمة أدبيّة ولغويّة وفكريّة واجتماعيّة وتاريخيّة، ولا شك أنّ ثقافتنا العربيّة والإسلاميّة القديمة قامت على كُتلٍ ضخمةٍ من المختارات التي صُنّفت بحسب مقتضيات الحال والزمان، ما أمدنا بالكثير من تلك القيم تُشكّل في مجموعها بُعدًا تراثيًا لمّا نزلْ نرفد منه ونستزيد.
وعطفًا على ذي قبل، فقد واصل العلماء والأدباء والشعراء والمهتمون في إتحافنا بتلك المختارات، كلّ بحسب وأوعيته، قدراته، وطاقته، واهتماماته؛ فمنهم المبدع والمبتكر، ومنهم المقلّد المتّبع، حتى تكوّن لدينا تراث زاخر من المعارف والعلوم، تحملها العديد من آلاف الصّفحات، ومئات المصنّفات.
وتبدو مختارات المفضل الضبي (…) ت 178هـ المسمّاة (المفضليّات) هي باكورة ممتازة لتلك المختارات على الإطلاق، وهي مختارات شعريّة بلغت 130 مقطوعة، لمجموعة من الشعراء (جاهليين ومخضرمين).
وتساوقًا مع المصطلح الذي ابتكره الصديق الأستاذ أحمد العرفج، وأعني به (عمّال المعرفة)؛ فإنَّ المفضل الضبيّ قد فتح هذا الباب الجديد، وتبعه الكثير من (العمّال)، لذلك يعدّ الأصمعي أبو سعيد بن عبد الملك بن قُرب 122- 123هـ صاحب كتاب (الأصمعيات) في مقدمتهم؛ سائرًا على ذات النهج الذي نهجه صاحب (المفضليات)، حيث ضمن في كتابه السالف 92 قصيدةً ومقطوعةً لسبعين شاعرًا تتخللها الكثير من القصص، والمثل السائر، والحكم المتنوعة.
وإذا تجازنا صاحبينا فلسنا ببعدين عن أبي زيدٍ محمّد بن أبي الخطاب القرشي (…) – 170هـ صاحب الكتاب الشهير (جمهرة أشعار العرب)، إذ إنّه يتّفق من حيث الاختيار مع صاحبيه؛ ولكنّه أضاف شيئًا أخرى بنى عليه كتابه، حيث قسّمه إلى سبعة أقسام، كلّ قسمٍ حوى سبع قصائد من العصر الجاهلي، حتّى العصر الأموي، وبنى ذلك على هيئة طبقات بدءًا بأصحاب (المعلّقات)، وانتهاءً بأصحاب (المُلْحمات)، وقد وقع اختياره على 49 قصيدة شعريّة بواقع قصيدة لكلّ شاعر.
وإذا تجاوزنا ذلك كلّه؛ فحريٌّ بنا الانتقال إلى مختارات ذات بُعد تصنيفي، أو بما يُسمّى بـ(المختارات المصنّفة) تصنيفًا موضوعيًّا، فلا أخالنا نتجاوز (ديوان الحماسة) لصاحبه الشاعر العباسي المعروف بأبي تمام حبيب بن أوس الطائي 190- 231هـ، والديوان في الجملة يضمن مجموعة من المختارات الشعريّة لشعراء معروفين، إضافة إلى شعراء مغمورين.
وديوان الحماسة هذا، لا يختلف كثيرًا عمّا سبق من حيث مبدأ الاختيار؛ ولكنّه أجود تقسيمًا وترتيبًا، والمدهش حقًا أنّه فتح بابًا جديدًا لدواوين الحماسة لشعراء متميّزين أمثال (حماسة البحتري)، و(حماسة أبي العلاء المعري)، و(الحماسة المغربيّة)، و(الحماسة البصريّة).
ثم توالت المختارات حتّى جاء الجاحظ أبو عثمان بن عمرو بن بحر159- 255هـ، فأحدث نقلة نوعيّة في عالم (المختارات) أو عمّال المعرفة من خلال كتابه الشهير (البيان والتبيّين)، ثم كتاب (عيون الأخبار) لعبد الله بن مسلم بن قتيبة213- 267هـ، فـ (الكامل) لمحمد بن يزيد المبرد 210- 258هـ، فـ( كتاب العقد الفريد) لابن عبد ربه الأندلسي 264- 328هـ الذي قال عنه الصاحب بن عباد: “هذه بضاعتنا ردّت إلينا. ظننت أنّ هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم؛ وإنّما هو يشتمل على أخبارنا”.
والسؤال الحيّ الذي يجب أن يّكتب: ما الذي دفعني إلى هذا الاستعراض؟ هذا ما سنعرفه -إن شاء الله- خلال الحلقات المقبلة.
وعطفًا على ذي قبل، فقد واصل العلماء والأدباء والشعراء والمهتمون في إتحافنا بتلك المختارات، كلّ بحسب وأوعيته، قدراته، وطاقته، واهتماماته؛ فمنهم المبدع والمبتكر، ومنهم المقلّد المتّبع، حتى تكوّن لدينا تراث زاخر من المعارف والعلوم، تحملها العديد من آلاف الصّفحات، ومئات المصنّفات.
وتبدو مختارات المفضل الضبي (…) ت 178هـ المسمّاة (المفضليّات) هي باكورة ممتازة لتلك المختارات على الإطلاق، وهي مختارات شعريّة بلغت 130 مقطوعة، لمجموعة من الشعراء (جاهليين ومخضرمين).
وتساوقًا مع المصطلح الذي ابتكره الصديق الأستاذ أحمد العرفج، وأعني به (عمّال المعرفة)؛ فإنَّ المفضل الضبيّ قد فتح هذا الباب الجديد، وتبعه الكثير من (العمّال)، لذلك يعدّ الأصمعي أبو سعيد بن عبد الملك بن قُرب 122- 123هـ صاحب كتاب (الأصمعيات) في مقدمتهم؛ سائرًا على ذات النهج الذي نهجه صاحب (المفضليات)، حيث ضمن في كتابه السالف 92 قصيدةً ومقطوعةً لسبعين شاعرًا تتخللها الكثير من القصص، والمثل السائر، والحكم المتنوعة.
وإذا تجازنا صاحبينا فلسنا ببعدين عن أبي زيدٍ محمّد بن أبي الخطاب القرشي (…) – 170هـ صاحب الكتاب الشهير (جمهرة أشعار العرب)، إذ إنّه يتّفق من حيث الاختيار مع صاحبيه؛ ولكنّه أضاف شيئًا أخرى بنى عليه كتابه، حيث قسّمه إلى سبعة أقسام، كلّ قسمٍ حوى سبع قصائد من العصر الجاهلي، حتّى العصر الأموي، وبنى ذلك على هيئة طبقات بدءًا بأصحاب (المعلّقات)، وانتهاءً بأصحاب (المُلْحمات)، وقد وقع اختياره على 49 قصيدة شعريّة بواقع قصيدة لكلّ شاعر.
وإذا تجاوزنا ذلك كلّه؛ فحريٌّ بنا الانتقال إلى مختارات ذات بُعد تصنيفي، أو بما يُسمّى بـ(المختارات المصنّفة) تصنيفًا موضوعيًّا، فلا أخالنا نتجاوز (ديوان الحماسة) لصاحبه الشاعر العباسي المعروف بأبي تمام حبيب بن أوس الطائي 190- 231هـ، والديوان في الجملة يضمن مجموعة من المختارات الشعريّة لشعراء معروفين، إضافة إلى شعراء مغمورين.
وديوان الحماسة هذا، لا يختلف كثيرًا عمّا سبق من حيث مبدأ الاختيار؛ ولكنّه أجود تقسيمًا وترتيبًا، والمدهش حقًا أنّه فتح بابًا جديدًا لدواوين الحماسة لشعراء متميّزين أمثال (حماسة البحتري)، و(حماسة أبي العلاء المعري)، و(الحماسة المغربيّة)، و(الحماسة البصريّة).
ثم توالت المختارات حتّى جاء الجاحظ أبو عثمان بن عمرو بن بحر159- 255هـ، فأحدث نقلة نوعيّة في عالم (المختارات) أو عمّال المعرفة من خلال كتابه الشهير (البيان والتبيّين)، ثم كتاب (عيون الأخبار) لعبد الله بن مسلم بن قتيبة213- 267هـ، فـ (الكامل) لمحمد بن يزيد المبرد 210- 258هـ، فـ( كتاب العقد الفريد) لابن عبد ربه الأندلسي 264- 328هـ الذي قال عنه الصاحب بن عباد: “هذه بضاعتنا ردّت إلينا. ظننت أنّ هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم؛ وإنّما هو يشتمل على أخبارنا”.
والسؤال الحيّ الذي يجب أن يّكتب: ما الذي دفعني إلى هذا الاستعراض؟ هذا ما سنعرفه -إن شاء الله- خلال الحلقات المقبلة.