سأجعل من سؤالي التّالي محورًا لهذه المقالة، وأعني به: ما مدى التّوفيق أو التَعالق ما بين الدِّينِ من جهة، والفلسفة وعلوم المنطق من جهة أخرى في إطار ما أصطلح على تسميته بـ”الفكرِ الإسلاميِّ”؟
أتفهم جيّداً أنّ الإجابة عن السّؤال السّابق لا يمكن اختصارها في بضعة كلمات في مقالة سيارة؛ ولكن لا تثريب من المحاولة جرياً على قول القائل: “يكفي من العقد ما أحاط بالرّقبة”، أو “حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق”.
وتأسيسا على ذلك؛ فإنّ المقرّر عند الباحثين أنّ الفلسفة التقت بالدّين في أزمنةٍ تأريخيّة على يدي مجموعةٍ من الفلاسفة المسلمين؛ من أمثال: الغزاليّ، وابن الجوزيّ، وابن الصلاحِ، وابن تيمية، وابن حزم الظّاهري، وابن القيم الجوزية، وحتى السّيوطي؛ وتلك الكوكبة بحقّ تعدّ من الأسماءِ التي كان لها أرثها البارز في عمليّة التوفيق ما بين الدِّين والفلسفة، حتى استطاع البعض القول بأنّ الفلسفة الإسلاميّة فلسفة توفيقيّة، وهم يقصدون بذلك التّوافقَ ما بين الدّين والفلسفة بوجه عام، إلاّ أنّ البعض أشار إلى أنّ الأمر لم يستمر كثيرًا، فقد واجهَ بعض رجال الدّينِ هذه المسألة بالدّرسِ والتّحليل والنّقد حتى طغى التّحذير والتّهديد على بقيّة جوانب المسألة.
الدكتور محمد أبوريان في كتابه (تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام) يشير إلى أنّ المحاولات التّوفيقيّة لم تمرّ بسلام، فقد حدثت ردود فعال مختلفة، وبدرجات متفاوتة؛ إذ تصدّى الغزالي -مثلاً- للفلسفة، وكفّر منتحليها في مسائل معينة؛ ولكنّه ارتضى منها بعض مسائل أخرى، بينما نجد ابن تيمية ومدرسته ومن هم على شاكلته آثروا التّمسك بالصّورة الأولى المخلصة للإسلام، فرفضوا كلّ دعاوى الفلسفة والمنطق؛ بل وصل الحال بالبعض إلى تحريمها أو الاشتغال بها خاصّة الفلسفة والمنطق اليونانييّن بوصفها تمثل تهديداً للعقيدةَ الإسلاميّة، فقد كان لأهل السنّة بإزاء المنطقِ اليونانيّ موقف خطير أخطر بكثير من موقفهم من بقية علوم الأوائل، حتى استحال الأمر إلى أن ظهر الكفاح ضدّ المنطق في صورة معارضة خطيرة، فالاعتراف بطرقِ البرهانِ الأرسطاليّة كما يعبّر لاجنتس جولد تسيهر في (كتابه موقف أهل السنَّة القدماء بإزاء علوم الأوائل) اعتبر خطرًا على صحّة العقائد الإيمانيّة؛ لأنّ المنطق يهدّد تهديدًا جديّاً وكبيرًا، وعن هذا الرأي عبّر الشّعور العام لدى غير المثقّفين من خلال هذه العبارة التي جرت مجرى المثل: “مَن تمنطق تزندق”.
مع هذه؛ فقد برزت بعض الأساليب من قبل مجموعة من الفلاسفة المسلمين للخروج من هذا الرّكنِ الضّيقِ، حيث لجأوا إلى التّأليف بأكثر من طريقة كي لا يتعرّضون للغضب واستعداء سلطة الحكام، يقول الدكتور حسام الدين الألوسي في كتابه (دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي): “فهم يتكلّمون بألسنة كثيرة، ويؤلِّفون كتبًا خاصّة وعامّة، ويرمزون أحيانًا ولا يجهرون، وربّما كان من بين أسباب هذه الظّاهرة جملة عوامل من بينها.. الخوف من قوة المحافظة، وعلى رأسها طريقة الفقهاء والمحدثين والسّلطة السياسيَّة التي كانت غير مأمونة الجانب حتى عندما يكون لها ميل لتشجيع الفلسفة أحيانًا، لأنّها هي الأخرى واقعة تحت ضغط الرّأي العام”.
وخلاصة القول: إنّ تلك الضّغوط والممارسات، وما يصحبها من لغة التّهديد لم تفد كثيرًا بقدرِ ما أفاد الفكر الإسلاميّ والفلسفة الإسلاميّة؛ فالغزاليّ -مثلاً- يعدّ من أهم الشّخصيات الإسلاميّة التي لعبت دورًا كبيرًا ومؤثِّرًا في توطيد أقدام الفلسفة من خلالِ تقديمه كثيرًا من الأسباب والعوامل التي عملت على بقائها واستمرارها في حظيرة البلاد الإسلاميّة.
أتفهم جيّداً أنّ الإجابة عن السّؤال السّابق لا يمكن اختصارها في بضعة كلمات في مقالة سيارة؛ ولكن لا تثريب من المحاولة جرياً على قول القائل: “يكفي من العقد ما أحاط بالرّقبة”، أو “حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق”.
وتأسيسا على ذلك؛ فإنّ المقرّر عند الباحثين أنّ الفلسفة التقت بالدّين في أزمنةٍ تأريخيّة على يدي مجموعةٍ من الفلاسفة المسلمين؛ من أمثال: الغزاليّ، وابن الجوزيّ، وابن الصلاحِ، وابن تيمية، وابن حزم الظّاهري، وابن القيم الجوزية، وحتى السّيوطي؛ وتلك الكوكبة بحقّ تعدّ من الأسماءِ التي كان لها أرثها البارز في عمليّة التوفيق ما بين الدِّين والفلسفة، حتى استطاع البعض القول بأنّ الفلسفة الإسلاميّة فلسفة توفيقيّة، وهم يقصدون بذلك التّوافقَ ما بين الدّين والفلسفة بوجه عام، إلاّ أنّ البعض أشار إلى أنّ الأمر لم يستمر كثيرًا، فقد واجهَ بعض رجال الدّينِ هذه المسألة بالدّرسِ والتّحليل والنّقد حتى طغى التّحذير والتّهديد على بقيّة جوانب المسألة.
الدكتور محمد أبوريان في كتابه (تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام) يشير إلى أنّ المحاولات التّوفيقيّة لم تمرّ بسلام، فقد حدثت ردود فعال مختلفة، وبدرجات متفاوتة؛ إذ تصدّى الغزالي -مثلاً- للفلسفة، وكفّر منتحليها في مسائل معينة؛ ولكنّه ارتضى منها بعض مسائل أخرى، بينما نجد ابن تيمية ومدرسته ومن هم على شاكلته آثروا التّمسك بالصّورة الأولى المخلصة للإسلام، فرفضوا كلّ دعاوى الفلسفة والمنطق؛ بل وصل الحال بالبعض إلى تحريمها أو الاشتغال بها خاصّة الفلسفة والمنطق اليونانييّن بوصفها تمثل تهديداً للعقيدةَ الإسلاميّة، فقد كان لأهل السنّة بإزاء المنطقِ اليونانيّ موقف خطير أخطر بكثير من موقفهم من بقية علوم الأوائل، حتى استحال الأمر إلى أن ظهر الكفاح ضدّ المنطق في صورة معارضة خطيرة، فالاعتراف بطرقِ البرهانِ الأرسطاليّة كما يعبّر لاجنتس جولد تسيهر في (كتابه موقف أهل السنَّة القدماء بإزاء علوم الأوائل) اعتبر خطرًا على صحّة العقائد الإيمانيّة؛ لأنّ المنطق يهدّد تهديدًا جديّاً وكبيرًا، وعن هذا الرأي عبّر الشّعور العام لدى غير المثقّفين من خلال هذه العبارة التي جرت مجرى المثل: “مَن تمنطق تزندق”.
مع هذه؛ فقد برزت بعض الأساليب من قبل مجموعة من الفلاسفة المسلمين للخروج من هذا الرّكنِ الضّيقِ، حيث لجأوا إلى التّأليف بأكثر من طريقة كي لا يتعرّضون للغضب واستعداء سلطة الحكام، يقول الدكتور حسام الدين الألوسي في كتابه (دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي): “فهم يتكلّمون بألسنة كثيرة، ويؤلِّفون كتبًا خاصّة وعامّة، ويرمزون أحيانًا ولا يجهرون، وربّما كان من بين أسباب هذه الظّاهرة جملة عوامل من بينها.. الخوف من قوة المحافظة، وعلى رأسها طريقة الفقهاء والمحدثين والسّلطة السياسيَّة التي كانت غير مأمونة الجانب حتى عندما يكون لها ميل لتشجيع الفلسفة أحيانًا، لأنّها هي الأخرى واقعة تحت ضغط الرّأي العام”.
وخلاصة القول: إنّ تلك الضّغوط والممارسات، وما يصحبها من لغة التّهديد لم تفد كثيرًا بقدرِ ما أفاد الفكر الإسلاميّ والفلسفة الإسلاميّة؛ فالغزاليّ -مثلاً- يعدّ من أهم الشّخصيات الإسلاميّة التي لعبت دورًا كبيرًا ومؤثِّرًا في توطيد أقدام الفلسفة من خلالِ تقديمه كثيرًا من الأسباب والعوامل التي عملت على بقائها واستمرارها في حظيرة البلاد الإسلاميّة.
……………………………………….
الدكتور ساري الزهراني