تغطيات – مكة :
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام إن الواجب علينا أن نتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعمالنا كلها ومن ذلك الحج لأنه عليه الصلاة والسلام أكد ذلك فقال (خذوا عني مناسككم), فعلى المسلم أن يتحرى هديه ويؤدي المناسك على الوجه الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم.
وأشار إلى ما يشرع فعله من المناسك من يوم غد حتى نهاية أيام التشريق وقال نذكر مجمل هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك, فلما كان اليوم الثامن يوم التروية اتجه صلى الله عليه وسلم إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة يقصر الرباعية, وفي يوم عرفة خرج عليه الصلاة والسلام من منى بعد أن أشرقت الشمس متوجهاً إلى عرفة وصلى بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً وتفرغ للدعاء والذكر حتى غربت الشمس ثم دفع إلى مزلفة فجمع بها المغرب والعشاء وقصر العشاء وبات بمزدلفة وصلى فيها الفجر وذكر الله حتى ظهر النور وانتشر, وأفاض منها قبل أن تشرق الشمس, وفي يوم النحر يوم العيد رمى جمرة العقبة ونحر هديه وحلق رأسه وطاف بالبيت, وفي أيام التشريق بات بمنى وكان يرمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس.
وأوضح الشيخ غزاوي أن من أعظم الأحوال التي يتأسى فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم أحواله في الحج مع ربه, وقد أخذ ذلك صوراً وأشكالاً شتى من أبرزها تحقيق التوحيد والعناية به, وعنايته صلى الله عليه وسلم بإخلاص العمل وسؤاله ربه أن يجنبه الرياء والسمعة, ودعاؤه صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة بالتوحيد, إذ كان يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وهو على كل شيء قدير, لا اله إلا الله وحده.. قال مثل هذا ثلاث مرات, ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم في عرفه بالتوحيد كما جاء في الحديث خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا اله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير.
وبين: أن في هذا كله دلالة واضحة على وجوب تحقيق التوحيد في نفس كل مسلم, وكما أنه لا يجوز للعبد أن يسجد لغير الله فإنه لا يجوز له أن يدعو غيره أو يستغيث به أو ينذر أو يذبح له.
وحذر فضيلته المسلمين من إتيان السحرة والكهان فهو أمر محرم لا شك في تحريمه, وسؤالهم وتصديقهم وفعل ما يطلبون من الذبح ونحوه شرك أكبر, ولقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم مخالفته للمشركين بقوله هدينا مخالف لهديهم ولم يكن ذلك مجرد دعوى ولا شعار, بل كان يخافهم في كل شيء من هديهم ويحذر من التشبه بهم في أقوالهم وأفعالهم.
وقال: إن من صور أحوال النبي مع ربه في الحج كثرة التضرع والمناجاة والدعاء، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في الحج منه أوفر الحظ والنصيب، فقد دعا ربه في الطواف, وعند الوقوف على الصفا والمروة, وأطال في الدعاء يوم عرفة وهو على ناقته رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين منذ أن استقر في مقامه الذي وقف فيه بعد الصلاة إلى أن غربت الشمس, وفي مزدلفة في المشعر الحرام منذ أن صلى الفجر إلى أن أسفر جداً قبل أن تطلع الشمس, وفي أيام التشريق بعد رمي الجمرتين الأوليين كان يستقبل القبلة ويقوم طويلاً يدعو ويرفع يديه.
وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن من صور أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه أيضاً الخشوع والسكينة فكان حاضر القلب غير متشاغل بشيء عن نسكه, خاضعاً لربه فيه, ذليلاً منكسراً بين يدي مولاه, مكثراً من التضرع والمناجاة مع إطالة للقيام ورفع لليدين أثناء ذلك.
وأضاف فضيلته إن الأمن مقصد جليل وهدف نبيل يسعى إليه الناس كلهم تسعى ويجب عليهم جميعا أن يحافظوا عليه ومن فضل الله أن جعل هذا البلد آمنا استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا)، وقال عز من قال (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) كما جعل كل شيء فيه آمن فلا يصاد صيده ولا ينفر ولا يقطع شيء من شجرة ولا من نباته فقال تعالى ممتنا على قريش التي كانت تعيش في بلد الله الحرام في أمن وأمان والناس يتخطفون من حولها قتلا تشريدا وسفكا للدماء.
وبين أن الله تعالى قضى قضاءً محكما وأمرا مبرا فقال عن بيته الحرام (ومن دخله كان آمنا) فهو آمن قدرا وشرعا مشيرا فضيلته أن الإلحاد في البلد الحرام من أكبر الكبائر قال تعالى ( من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )، وقال ابن مسعود رضى الله عنه ( لو أن رجلا هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عز وجل عذابا أليما ) وقال صلى الله عليه وسلم ( أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم أمرئ بغير حق ليريق دمه ).
وأكد الشيخ الغزاوي إن من أعظم الإلحاد في البلد الحرام رفع الشعارات الدعائية الزائفة والسعي للإخلال بأمن البلاد وإثارة الخوف والذعر والقلق بين أهله وساكنيه وإرادة الفوضى فيه وزعزعة الأمن وتعكير أجواء العبادة على الحجاج وأذية مشاعرهم واستغلال هذا الموسم العظيم لتصفية حسابات سياسية وأحقاد مذهبية محذرا فضيلته من إلحاق الأذى والضرر أيا كان نوعه لحجاج بيت الله الحرام الذين هم وفد الله وأن يصدر منك تصرف يؤدي إلى انتهاك حرمة أخيك المسلم فضلا أن يؤدي إلى قتله وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ترويع المؤمن فكيف بما هو أعظم من ذلك قال صلى الله عليه وسلم ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق )، وعن عبدالله ابن عمر رضى الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ( ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة من ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا )، وأشار فضيلته إلى أن من فضل الله وكرمه وعظيم فضله وامتنانه أن جعل لنا مواسم نستكثر من العمل الصالح ونتزود فيها من القربات فحري بنا أن نغتنم ما بقى من هذه العشر وأن نري الله من أنفسنا خيرا فلا نستقل شيئا من العمل ولا نزهد في قليل من الخير أن نأتيه.