هناك فرقٌ بيّن ما بيْن الخلاف والاختلاف، فالأوّل مذمومٌ ومدحور، والثّاني مطلوبٌ ومحمود، فمآلات الأوّل شقاقٌ وانقسامٌ وتنازع، والثّاني بردٌ وسلامٌ وائتلاف؛ ولكن ومع بيان ذلك الفرْق -كما سيتّضح لاحقًا- إلاّ أنّ هناك منْ لم يزلْ بعدُ غير مُسْتوعبٍ لذلك الفرق القائم بينهما، مع أنّ جوهر الأوّل مختلف أشدّ الاختلاف عنه في الثّاني.
يقول العلاّمة ابن القيم -رحمه الله-: “ووقوع الاختلاف بين النّاس أمرٌ ضروري لا بدّ منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلاّ فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التّباين والتّحزب، وكلّ من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنّه أمرٌ لا بدّ منه في النّشأة الإنسانيّة، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطّريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإنْ وقع كان اختلافاً لا يضرّ كما تقدّم من اختلاف الصّحابة؛ فإنّ الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنّة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطّريق واحد وهو النّظر في أدلة القرآن والسُّنة وتقديمها على كلّ قولٍ ورأي وقياس وذوق وسياسة”.
وهذا بيان أول لا يحتاج إلى تأويلٍ أو سفسطة؛ في حين يكون الخلاف مفضيًا إلى التّنازع والفشل والاضطراب، وهذا ما نستشفّه بجلاءٍ من خلال القراءة المتأنية لكلٍّ من لفظتي “التّنازع” و”الفشل” سياقيا وتلازمهما في كتاب الله تعالى، وأنّ الأول يفضي إلى الثّاني -حسب تعبير المفكر مولاي المصطفى البرجاوي-؛ فالأوّل منهما قد تكرّر ذكره في سبعة مواضعٍ في القرآن الكريم، فيما ورد لفظ الفشل في أربعة مواضع. وجاء الرّبط ما بين اللّفظين في ثلاثة مواضع: الأوّل في سورة آل عمران: 152؛ وبعد غزوة أحد مباشرة: (ولقدْ صدقكُمُ اللّهُ وعْدهُ إذْ تحُسُّونهُمْ بإذْنه حتّى إذا فشلْتُمْ وتنازعْتُمْ في الْأمْر وعصيْتُمْ منْ بعْد ما أراكُمْ ما تُحبُّون منْكُمْ منْ يُريدُ الدُّنْيا ومنْكُمْ منْ يُريدُ الْآخرة ثُمّ صرفكُمْ عنْهُمْ ليبْتليكُمْ ولقدْ عفا عنْكُمْ واللّهُ ذُو فضْلٍ على الْمُؤْمنين)، والثّاني في سورة الأنفال: 43؛ بعد غزوة بدر: (إذْ يُريكهُمُ اللّهُ في منامك قليلاً ولوْ أراكهُمْ كثيراً لفشلْتُمْ ولتنازعْتُمْ في الْأمْر ولكنّ اللّه سلّم إنّهُ عليمٌ بذات الصُّدُور). ثم في قوله تعالى في السورة ذاتها (آية: 46)؛ (وأطيعُوا اللّه ورسُولهُ ولا تنازعُوا فتفْشلُوا وتذْهب ريحُكُمْ واصْبرُوا إنّ اللّه مع الصّابرين).
فخطاب القرآن الكريم يرمي صراحة إلى النّهي عن التّنازع المفضي إلى الشّقاق الذي يؤدي بوحدة الأمّة إلى الضّياع والافتراق، وهو التّنازع الذي يوغر الصُّدور ويثير الشّحناء والتّباغض والتّشتت والخلاف والافتراق، أمّا الاختلاف الاجتهادي فهو مساحة مفتوحة وحرة تركها الشّارع للخلق في إطار الوحدة والانسجام مع مبادئ الفطرة البشريّة، فهو ما لا يتعارض مع نصوص القرآن الكريم؛ فضلاً عن أن ينهى عنه؛ لأنّ القرآن الكريم، ما كان أبدًا؛ لينهى عن الاختلاف المنضبط (المحمود) وهو الدّاعي أساساً لإعمال العقل وإجالة النّظر فيه!!
يقول العلاّمة ابن القيم -رحمه الله-: “ووقوع الاختلاف بين النّاس أمرٌ ضروري لا بدّ منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلاّ فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التّباين والتّحزب، وكلّ من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنّه أمرٌ لا بدّ منه في النّشأة الإنسانيّة، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطّريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإنْ وقع كان اختلافاً لا يضرّ كما تقدّم من اختلاف الصّحابة؛ فإنّ الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنّة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطّريق واحد وهو النّظر في أدلة القرآن والسُّنة وتقديمها على كلّ قولٍ ورأي وقياس وذوق وسياسة”.
وهذا بيان أول لا يحتاج إلى تأويلٍ أو سفسطة؛ في حين يكون الخلاف مفضيًا إلى التّنازع والفشل والاضطراب، وهذا ما نستشفّه بجلاءٍ من خلال القراءة المتأنية لكلٍّ من لفظتي “التّنازع” و”الفشل” سياقيا وتلازمهما في كتاب الله تعالى، وأنّ الأول يفضي إلى الثّاني -حسب تعبير المفكر مولاي المصطفى البرجاوي-؛ فالأوّل منهما قد تكرّر ذكره في سبعة مواضعٍ في القرآن الكريم، فيما ورد لفظ الفشل في أربعة مواضع. وجاء الرّبط ما بين اللّفظين في ثلاثة مواضع: الأوّل في سورة آل عمران: 152؛ وبعد غزوة أحد مباشرة: (ولقدْ صدقكُمُ اللّهُ وعْدهُ إذْ تحُسُّونهُمْ بإذْنه حتّى إذا فشلْتُمْ وتنازعْتُمْ في الْأمْر وعصيْتُمْ منْ بعْد ما أراكُمْ ما تُحبُّون منْكُمْ منْ يُريدُ الدُّنْيا ومنْكُمْ منْ يُريدُ الْآخرة ثُمّ صرفكُمْ عنْهُمْ ليبْتليكُمْ ولقدْ عفا عنْكُمْ واللّهُ ذُو فضْلٍ على الْمُؤْمنين)، والثّاني في سورة الأنفال: 43؛ بعد غزوة بدر: (إذْ يُريكهُمُ اللّهُ في منامك قليلاً ولوْ أراكهُمْ كثيراً لفشلْتُمْ ولتنازعْتُمْ في الْأمْر ولكنّ اللّه سلّم إنّهُ عليمٌ بذات الصُّدُور). ثم في قوله تعالى في السورة ذاتها (آية: 46)؛ (وأطيعُوا اللّه ورسُولهُ ولا تنازعُوا فتفْشلُوا وتذْهب ريحُكُمْ واصْبرُوا إنّ اللّه مع الصّابرين).
فخطاب القرآن الكريم يرمي صراحة إلى النّهي عن التّنازع المفضي إلى الشّقاق الذي يؤدي بوحدة الأمّة إلى الضّياع والافتراق، وهو التّنازع الذي يوغر الصُّدور ويثير الشّحناء والتّباغض والتّشتت والخلاف والافتراق، أمّا الاختلاف الاجتهادي فهو مساحة مفتوحة وحرة تركها الشّارع للخلق في إطار الوحدة والانسجام مع مبادئ الفطرة البشريّة، فهو ما لا يتعارض مع نصوص القرآن الكريم؛ فضلاً عن أن ينهى عنه؛ لأنّ القرآن الكريم، ما كان أبدًا؛ لينهى عن الاختلاف المنضبط (المحمود) وهو الدّاعي أساساً لإعمال العقل وإجالة النّظر فيه!!
……………………………………….
الدكتور ساري الزهراني
لأنّ القرآن الكريم، ما كان أبدًا؛ لينهى عن الاختلاف المنضبط (المحمود) وهو الدّاعي أساساً لإعمال العقل وإجالة النّظر فيه!!
تسلم أناملك
فهد بن جابر