تغطيات – وكالات:
شغلت إيران للسنة الثالثة على التوالي بدون منازع الموقع العالمي رقم واحد في “مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال”، الذي يصدر سنويًا عن مؤسسة دولية تحمل الاسم نفسه.
وحدد مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال لعام 2016 إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال من بين 149 بلدًا شملتها الدراسة الاستقصائية المتخصصة في رصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا هو الإصدار السنوي الخامس “لمؤشر بازل في مكافحة غسل الأموال”.
وأوضح بيان للمؤسسة مصاحب للفهرس تلقت “الاقتصادية” نسخة منه أنه على الرغم من أن غالبية البلدان تمتثل قانونا للمعايير الراهنة لمؤشر بازل، إلا أنها لا تزال مُقصّرة في فعالية تنفيذ وإنفاذ هذه القوانين، ووفقا لآراء عديد من المحللين الماليين ومن بينهم، دومنيك سانتي، فقد أكد لـ “الاقتصادية” أن الشركات مترددة في استئناف العلاقات التجارية مع إيران بسبب قلقها من ضلوع هذه الدولة في غسل الأموال.
يأتي نشر الفهرس بعد شهر من تعليق “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” وهي هيئة عالمية لمكافحة غسل الأموال، التدابير المالية التي أُتخذت ضد إيران لمدة سنة واحدة، وفي ضوء هذا التعليق، كتب مختصا العقوبات، مارك دوبوفيتز، وتوبي ديرشوفيتز، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن تعليق العقوبات ضد إيران مؤقت وعدم رفع هذا البلد كليًا من “القائمة السوداء شديدة الخطورة” لمؤسسة “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” يشير إلى أن إيران لا تزال أمامها طريق طويلة لتقطعها قبل أن تكون مؤمَّنة للقيام بأعمال تجارية مع دول العالم.
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، كتب، ديرشوفيتز، وسعيد جاسيم نيجاد، والأخير زميل مشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن إيران تحاول إقناع الدول بأنها جادة في الامتثال لمعايير “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” بما في ذلك مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية، بإشارتها دائمًا إلى تشريع صدر أخيرا عن برلمانها. لكن على الرغم من هذا التشريع، فالأمر ليس واضحًا تمامًا.
ووفقا لعبد المهدي أرجماند نيجاد، نائب محافظ البنك المركزي الإيراني لشؤون مكافحة غسل الأموال، فإن بعض المنظمات في هذا البلد لا تخضع لهذا القانون، وأن المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني هو الذي يُقرر من هو “إرهابي”.
وتعليقًا على هذا الموقف، قال ديرشوفيتز، وسعيد جاسيم نيجاد “إنه في الوقت الذي يُعتبر فيه حزب الله منظمة إرهابية منذ أكثر من 30 عامًا، فإنها “منظمة تحرير” من وجهة نظر إيران”، مضيفا أن “إيران لا تعمل شيئًا سوى اللعب في الكلمات، وهي لا توقف الإرهاب، بل تبرره”.
وأشارا إلى أنه لا ينبغي لمؤسسة “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” ولا المؤسسات المالية الدولية أن تكون عمياء لما يدور في خلد إيران، وفي 11 تموز (يوليو) كان المفاوض النووي الإيراني عباس عرقجي صريحا، بقوله “لقد استغرق منا 18 شهرا للتوصل إلى تفاهم مع “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” بشأن تعريف الجماعات الإرهابية. ولدينا خطوط حمراء واضحة ولن يتم التضحية بحزب الله”.
وأوضح الكاتبان أيضًا أنه في 24 حزيران (يونيو) الماضي، وهو اليوم الذي أعلنت فيه “فاينانشيال أكشن تاسك فورس” تعليق التدابير المتخذة ضد إيران، اختبر، حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله فعالية “فاينانشيال أكشن تاسك فورس”، والمجتمع الدولي عمومًا بإعلانه “نقولها بصراحة، إن ميزانية حزب الله، ودخوله، ونفقاته، وكل شيء مما يأكل ويشرب، والأسلحة والصواريخ، تأتي من إيران”.
واشتكت طهران من أنها لم تتلق المزايا التي كان ينبغي تلقيها منذ أن تم رفع جميع العقوبات ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني عن البلاد في كانون الثاني (يناير) 2016. وهدد بعض المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الإيراني على خامنئي، ومحافظ البنك المركزي الإيراني، فاليولة سيف، بأن الصفقة النووية يمكن أن تنهار إذا لم تتلق إيران مزيدا من الاستثمارات ومزيدا من تخفيف العقوبات.
ومع ذلك، فإن عديدا من العقوبات المالية قد فُرضت على إيران قبل فرض العقوبات المتعلقة ببرنامجها النووي كرد فعل على انغماس إيران في عمليات غسل أموال وتمويل الجماعات الإرهابية.
من جهتها صحيفة نيويورك تايمز قالت “إن الفساد في إيران مسؤول عن المشكلات الاقتصادية في البلاد”، مشيرة إلى أنه إلى حد كبير، ليس على الإيرانيين إلا أن يلوموا أنفسهم حول مصاعبهم الاقتصادية بسبب النظام المالي الفاسد في بلادهم، وتقديم الدعم للإرهاب.
وكتبت هيئة التحرير في الصحيفة “إنه في الوقت الذي امتثلت فيه إيران إلى حد كبير إلى الجوانب النووية المتعلقة بالصفقة التي تم التوصل إليها مع القوى العالمية في العام الماضي، ما أدى إلى رفع العقوبات الأوروبية، فإن العقوبات الأمريكية المتعلقة بدعم إيران للإرهاب، وتجاربها على الصواريخ الباليستية، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان لا تزال سارية.
وأشارت افتتاحية الصحيفة أخيرا أنه لا ينبغي لهذا الأمر “عدم رفع العقوبات الأمريكية” أن يكون مفاجئًا، لأن طهران تعلم أن رفع جميع العقوبات الأمريكية لم يكن جزءًا من الصفقة النووية، ومضت الصحيفة تقول “إن هذا يعني أن الشركات الأمريكية لا تزال ممنوعة من ممارسة الأعمال التجارية في إيران، باستثناء التجارة في الطيران المدني، والسجاد والمنتجات الزراعية، وأيضا، إن إيران لا تزال ممنوعة من استخدام النظام المالي الأمريكي، ودولاراتها، ومن خلاله تجري أغلب الأعمال التجارية الدولية”.
وأضافت أنه “قبل الصفقة النووية، كانت إيران معزولة إلى حد كبير عن النظام المصرفي الدولي، ولم تواكب القواعد الجديدة الصارمة لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، ويقول المختصون “إن المصارف الإيرانية تُدار بصورة سيئة جدًا، وهي مُسيَّسة، وتفتقر إلى الشفافية – وهي علامات تحذير كافية حول درجة مخاطر المصارف الأجنبية في غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وبالمثل، كتب، ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية السابق في عهد الرئيس باراك أوباما والآن المسؤول القانوني لمصرف “إتش إس بي سي”، في صحيفة وول ستريت جورنال في أيار (مايو) الماضي، قائلا “إنه بسبب استمرار إيران تمثيلها خطرًا في مجال الجريمة المالية، وبسبب سلوكها الخفي الكامن، فإنه لا توجد لدى مصرفه أدنى نية للقيام بأي أعمال تجارية جديدة تشمل إيران”.
وذكر البنك أن إيران لا تزال تمضي بنفس السلوك غير المشروع الذي دفع في البداية نحو فرض العقوبات، مضيفا أن مؤسسة “فاينانشيال أكشن تاسك فورس”، الرقيب الذي يُركِّز على ضمان سلامة النظام المالي الدولي، قد حذرت المصارف من المخاطر المالية التي ينطوي عليها إجراء معاملات مع إيران والنتيجة النهائية، أن إيران أصبحت منبوذة ماليًا.
واختتم ليفي مقالته بالقول “إن المصرف يأخذ في الاعتبار مخاطر الجريمة المالية وقواعد السلوك الأساسية، وعليه ليس لدى المصرف نية للقيام بأي أعمال تجارية جديدة تشمل إيران، وبعد أيام قليلة من ذلك أفادت، “سي إن بي سي”، وغيرها من المنافذ الإعلامية أن المصارف الأوروبية الأخرى مترددة في القيام بأعمال تجارية مع إيران بسبب المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه النشاطات التجارية”.
وأبلغ مسؤول في صندوق النقد الدولي السلطات الإيرانية في أيار (مايو) الماضي أن أفضل شيء يمكن للحكومة الإيرانية أن تفعله، هو تنفيذها المعايير المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إلى ما يصل إلى المستويات الدولية، وأن تحاول إعادة طمأنة الشركاء الأجانب، والمصارف وبخلاف ذلك لن تكون المصارف الإيرانية آمنة كي تتعامل معها الأطراف الدولية.
وكتب، مارك دوبوفيتز، وآني فيشلر، المدير التنفيذي، ومحلل السياسات في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قائلين “إنه على الرغم من القيود التي يفرضها الفساد المالي والإداري في إيران، فإن تخفيف العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي قدمت إغاثة جيدة للاقتصاد الإيراني بما يكفي لدفعة نحو نمو بنسبة 3.7 في المائة سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة، لكن المصرف المركزي الإيراني حوَّل كثيرا من تلك الإغاثة للإنفاق العسكري، الذي يُتوقع أن ينمو بنسبة 90 في المائة في العام المقبل”. والدول التسع التي تصدرت القائمة بعد إيران، هي: أفغانستان، وطاجيكستان، وأوغندا، غينيا-بيساو، وكمبوديا، موزمبيق، ومالي، والسودان، وماينمار، وكانت فنلندا أدنى بلد من ناحية مخاطر غسل الأموال لتشغل بذلك المرتبة 149، تليها ليتوانيا واستونيا “148 و147، على التوالي”.
ووجد مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال أن 59 من أصل 149 بلدًا قد زاد من درجة مخاطره في غسل الأموال منذ العام الماضي. 79 بلدًا قام بتحسين تصنيفه لكن نتيجة المعدل المتوسط الإجمالي العالمي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتدهور بصورة طفيفة “المعدل العالمي في عام 2015 كان في حدود 5.82 و5.85 في عام 2016”.
وحسب معلومات أخذتها “الاقتصادية” من سيلفان ليهمان، مدير مشروع مؤشر بازل، فإن السعودية ظهرت بين البلدان التي حققت أكبر التحسينات في تشريعاتها لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ عام 2015، جاءت إلى جانبها الكويت، وإكوادور، وسيشيل، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، والنمسا، وكوريا الجنوبية، وأبرز البلدان التي تراجعت نتائجها في 2016 هى شيلي، سريلانكا، سلوفينيا، الصين، استونيا، صربيا، ومقدونيا.
وحققت السعودية نتائج جيدة في المجمل العام للتصنيف، إذ ظهرت في المرتبة 91 على المؤشر، بمعنى أنها تقدمت على 90 بلدًا، ولم يتقدم عليها سوى 58 بلدًا.
وفي منطقة الشرق الأوسط، نجد أنه إضافة إلى إيران، أُعتبرت لبنان، واليمن، والجزائر على التوالي من ناحية درجة مخاطر مصارفها في غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بين الدول التي تمثل أعلى درجة من المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقا لنتائج هذه السنة، فقد احتل لبنان المركز 28، واليمن 40، والجزائر 51، والإمارات 65. وشغلت المغرب المركز 80، والبحرين 82، والكويت 83.
وحققت كل من تونس، ومصر، والأردن، وقطر أفضل النتائج بين الدول العربية، شاغلة حسب الترتيب المواقع التالية: 129، 122، 115، 113، وحققت السعودية نتائج أفضل مما حققته عديد من المراكز المالية والاقتصادية الكبيرة مثل إيطاليا “شغلت الموقع 90 على المؤشر مقابل 91 للسعودية”، وسويسرا “88”، وهونج كونج “85”، واليونان “84” والهند “78”، واليابان “76”، ولوكسمبرج “70”، وروسيا “58”، والبرازيل “56”.
البلدان الأعلى خطرًا في القارة الأوروبية هى لوكسمبرج، وصربيا “75”، واليونان “84”، وسويسرا، وألمانيا “92”، وإيطاليا، ومولدوفا، والبوسنة-الهرسك. التصنيف العالمي لسلوفينيا، وأستونيا، وصربيا، أظهر تدهورًا إلى حد كبير داخل هذه المنطقة. وفي منطقة أوروبا ـ آسيا “أوروآسيا” وآسيا الوسطى، تم تصنيف روسيا، وأوكرانيا، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، ومولدوفا، كأعلى درجة من المخاطر في هذه المنطقة، وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، اعتبرت باراجواي، وهايتي، وبوليفيا، وبنما، والأرجنتين، وجمهورية الدومينيكان وفنزويلا بين بلدان المنطقة الأكبر خطرًا. وكانت إكوادور وكوستاريكا، وهندوراس وباراجواي بين أعلى الدول التي حسَّنت أوضاعها داخل المنطقة. وفي أمريكا الشمالية، حوَّلت كندا وضعها مع الولايات المتحدة نحو الأحسن، ويعتبر البلدان الآن أقل خطرًا بالمقارنة مع ترتيب العام الماضي. وجاءت كندا في الترتيب 105، أفضل من الولايات المتحدة التي شغلت الموقع 97.
وفي شرق آسيا والمحيط الهادئ، جاءت كمبوديا، وميانمار، ولاوس، وفانواتو، والصين، وجزر مارشال، وفيتنام على رأس البلدان الأعلى خطرًا. وسجلت كوريا الجنوبية وتيمور الشرقية أفضل تقدم، بينما سجل ترتيب فانواتو أكبر تراجع.
وبين الدول الست في جنوب آسيا، مثلت أفغانستان، ونيبال، وسريلانكا مخاطر عالية على المؤشر. وشهدت سريلانكا مرتبتها تحقق أسوأ تدهور بين هذه المجموعة مقارنة بالسنة السابقة، وسجلت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء النقاط الأسوأ بين دول العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. فقد احتلت أوغندا، غينيا-بيساو، موزمبيق، السودان، كينيا، غينيا، ليبريا، سان تومي وبرينسيبي وزامبيا ومالي أعلى عشر مراتب بين بلدان المنطقة.
وعموما، تشير الدرجات عالية الخطورة في “مؤشر بازل القياسي لمكافحة غسل الأموال/تمويل الإرهاب” إلى ضعف معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعف القدرات المؤسسية لكشف مثل هذه العمليات إن وقعت، وانعدام الشفافية المالية في القطاعين المالي والعام. ولا يُقيِّم مؤشر بازل مقدار الأموال أو العمليات المالية غير المشروعة، لكنه صُمِّمَ لتقييم مخاطر غسل الأموال، ويشير إلى درجة ضعف النظام المالي في بلد ما ليكون عرضة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب استنادًا إلى مؤشرات دولية معينة.
ومؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال إنما هو مؤشر مركَّب، بمعنى أن النتيجة الإجمالية تأتي في نهاية تقييم ما متوسطه 14 مؤشرًا من مختلف المصادر الدولية المعنية بالإجراءات المالية مثل “فاينانشيال أكشن تاسك فورس”، ومنظمة الشفافية الدولية، والبنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي.